مهنة التدريس
مهنة التدريس كسائر المهن
الأخرى تحتاج إلى إعداد خاص يؤهل المعلّم ويعده؛ لأداء عمله على أكمل وجه ..
فبجانب الصفات العامة والخاصة التي يجب أن تتوافر في المعلّم، فإنه يحتاج إلى أن
يطبق النظريات والمعارف والعلوم النظرية في مواقف عملية واقعية، تحت إشراف فني خاص
, أي أن يمر بفترة " التدريب العملي أو التربية العملية " وذلك لتحقيق
الأهداف التالية :
1- أن
يدرك المعلّم ما لديه من قدرات وصفات طيبة ويعمل على تنميتها .
2- أن
يطبق عملياً ما درسه في التربية وعلم النفس .
3- أن
يشعر بالانتماء لمهنة التدريس .
4- أن
يستفيد من ملاحظات المشرف وتوجيهه .
5-
زوال الرهبة من مواجهة الطلاب، والتدرب على حسن التصرف في المواقف الصعبة .
6-
التعود على احترام النظام التعليمي، واكتساب ثقة الزملاء ومحبّتهم.
7 - الاستفادة من مشاهدته لزميله المتدرب , ومن
النقد المتبادل بينهما .
إعداد المعلّم
اعلم أنّ العالم قد يكون
بحرا في علمه، ولكنّه قد لا يكون معلّما بدرجة توازي ما لديه من علم، فنقل العلم
إلى المتعلّم يحتاج إلى مهارة . فهل يستطيع العالم الذي لا يملك الأسلوب المناسب
للتعليم تطوير نفسه في هذا المجال ؟
واعلم بأنّ المعلّم
يتعلّم الكثير عن طريق الخبرة ، ولكنّ ذلك قد لا يكون مفيدا ؛ فقد يكرّر المعلّم
سلوكا خاطئا ، أو يهمل مسائل مهمّة . كما أنّ بعضهم قد يعتمد طريقة المحاولة
والخطأ ؛ وقد يعتاد سلوكا خاطئا ومع ذلك يكرّره .
وهناك ثلاثة أنواع من
أساليب الارتقاء بالمعلم , وهي :
1-
التأهيل أو الإعداد كما يسمى أحيانا . ويعني ذلك ما نقوم به لتهيئة شخص ما لعملية
التدريس من إعداد لغوي وعملي وتربوي قبل أن يخوض العملية التعليمية. وهذا هو ما
تقوم به البرامج الأكاديمية غالباً ، كما في كليات وأقسام التربية وما شابهها .
2- التدريب
: يقصد به أحياناً ما يتم أثناء ممارسة المعلم لعمله كما في التدريب أثناء الخدمة
في صور شتى مثل الدورات التدريبية وورش العمل .
3-
التطوير : ويشمل ذلك الوسائل والأساليب المختلفة، التي تساهم في تطوير شخصية
المعلم وتنمية معلوماته وقدراته العلمية والمهنية، والنشرات التوجيهية ومشاهدة
البرامج والنماذج الجيدة ذات العلاقة بمجال عمل المعلم . وبالنسبة لمعلم اللغة ,
نضيف هنا التحسين المستمر لمستواه اللغوي الشفوي والكتابي، وتنمية معلوماته
عن اللغة التي يدرسها وثقافة أهلها .
أهم مجالات إعداد معلمي اللغة وتدريبهم مهنياً :
يحتل إعداد المعلم
وتدريبه مكانة هامة وخاصة ، ولا سيما معلم اللغة العربية لغير الناطقين بها؛ لقلة
المتخصصين في هذا الميدان ؛ ومن هنا فإنّ كثيرا من معلمي العربية لغير الناطقين
بها هم من غير المختصين بعلم اللغة التطبيقي، ومن غير المدربين في هذا الميدان.
وتأتي مسألة إعداد المعلم وتدريبه من أهمية المعلم نفسه ودوره في العملية
التعليمية؛ حيث تشير الدراسات التربوية إلى أنّ دور المعلم – بشكل عام – يمثل 60 %
من التأثير في تكوين الطالب، بينما تشترك بقية العناصر الأخرى في العملية التربوية
بـ 40 % من التأثير . ومما لا شك فيه أن إعداد معلم اللغة، لابد أن يشتمل في
حده الأدنى على ثلاثة عناصر أساسية :
1- الإعداد اللغوي على اللغة الهدف التي
سيقوم بتعليمها . ويشتمل ذلك الكفاية اللغوية المناسبة في المهارات المختلفة ,
إضافة إلى المعلومات المناسبة عن اللغة وثقافتها وتاريخها , وذلك لأن فاقد الشيء
لا يعطيه , كما يقول المثل العربي المعروف .
2- الإعداد
العلمي , أي تزويد المتدرب بالمعارف اللسانية النظرية والتطبيقية العامة
والخاصة باللغة الهدف. ويشمل ذلك: الدراسات الخاصة بأبنية اللغة النحوية والصرفية
والصوتية والدلالية وقضاياها الذرائعية، وتحليل الخطاب ونظريات اكتساب اللغة
الأولى والثانية وقضايا اللسانيات الاجتماعية .
3- الإعداد
التربوي : ويشمل ذلك تزويد الدارس بما يحتاج إليه من معلومات تتعلق بطرائق
تعليم اللغة بوصفها لغة أجنبية وأساليب تقويم أداء الدارسين وتحليل أخطائهم
وتصويبها وإعداد المعينات السمعية والبصرية المناسبة لتعليم اللغة واستخدامها
بطريقة فعالة . وكذلك إعداد المورد التعليمي , مثل تأليف الدروس والتدريبات
المختلفة . ونود أن نؤكد على أن يكون الإعداد في هذه المجالات بطريقة تخدم معلم
اللغة بصورة مباشرة . فقد أثبتت التجربة أن تدريس المتدرب مواد عامة , مثل طرق
التدريس العامة أو أساليب التقويم التربوي أو الوسائل التعليمية , قد لا يفيد
المتدرب كثيراً لأن معظم المتدربين يتلقون هذه المعلومات بشكل نظري ولا يحسنون
الربط بينها وبين تعليم اللغة وتدريسها أثناء ممارستهم الفعلية للتدريس .
ونضيف هنا أيضاً ضرورة
تعليم المتدرب أصول التربية وأساليب إدارة الصف _ خاصة _ مثل تنظيم جلوس الطلاب
والأنشطة الزوجية والجماعية أو غير ذلك .
4_
التدريب العملي : ويشمل ذلك عدة جوانب :
( أ ) مشاهدة الدروس
الواقعية والنموذجية وتقويمها .
( ب ) إعداد نماذج
للدروس.
( ج ) التدريس المصغر مع
الزملاء ومع طلاب حقيقيين .
( د ) الممارسة العملية
للتدريس تحت إشراف خبير وهي أهمها بلا شك . ويشمل ذلك أيضاً أساليب التدريس
المناسبة .
( هـ ) تقويم هذه التجارب
والممارسات من قبل المشرفين والزملاء .
5_ التدريب التطويري:
ونقصد بذلك تدريب المعلم على أساليب التطوير الذاتي, مثل :
( أ ) تعريفه بالمراجع والدوريات والمنظمات المهنية واللقاءات
الدورية التي تعينه في تنمية خبراته ومعلوماته المهنية .
( ب ) تدريبه على ما يسمى
بأساليب التأمل ونقد الذات وتحليل تجارب الآخرين وتقويمها , للاستفادة من حسناتها
وتجنب مساوئها وعيوبها .
( ج ) تدريب المعلم على
إجراء التجارب الميدانية اليسيرة لتحسين مستوى أدائه وإيجاد الحلول المناسبة لما
يواجهه من مشكلات عملية .
ولتدريب المعلّم ينبغي أن :
§
تقسّم المادة والمحتوى إلى خطوات صغيرة؛ لتفادي الخلط.
§ يعطى
المتدرّب الفرصة للمناقشة ، وللتطبيق في نهاية كلّ خطوة ؛ لئلا تختلط عليه الخطوات
.
§
يفسّم للمتدرّب ما يمكن أن يكون صعبا ويعزّز ؛ ليسهل عليه .
§
يعطى التطبيق قدرا يستحقّه ؛ ليستخدم المتدرّب ما فهمه نظريا .
المعلم الناجح
لكي
يوصف المعلم بأنه معلّم ناجح، لا بد أن تتوافر فيه صفات عديدة، منها: ينبغي أن
يكون ذا شخصية قوية، يتميز بالذكاء والموضوعية والعدل والحزم والحيوية والتعاون، و
أن يكون مسامحاً في غير ضعف، حازماً في غير عنف. ثانياً: أن يكون مثقفاً، واسع
الأفق، لديه اهتمام بالاطلاع على ما استجد في طرق التدريس، وفي مادته، وأن يكون
أداؤه للعربية صحيحاً، خالياً من الأخطاء، وأن يكون محباً لعمله، متحمساً له،
متمكناً من المادة الدراسية التي يقوم بتدريسها، حسن العرض لها، وأن يكون على
علاقة طيبة مع طلابه وزملائه ورؤسائه.
واعلم
أن العمل المنظم إنتاجه أكثر، والعمل الكامل تقديره أعظم، والعمل الدقيق احتمالات
الخطأ فيه أقل. ومن الضروري على المعلم أن يقسم وقته بين مجالات نشاطه وعمله
العلميّ، وهو خلاف الوقت الذي يخصصه المعلم لبيته وأهله. والمعلم المنظم في عمله
يمكنه أن يستفيد من وقته كله، من ثم ندعوك إلى أن تعوِّد نفسك على تنظيم وقتك
وأعمالك : فلا تفكر في أكثر من شيء واحد في الوقت الواحد، وخصص وقتاً للعمل؛ فإنه
مفتاح النجاح، ووقتاً للاطلاع؛ فإنه مصدر الحكمة، ووقتاً للعبادة؛ فإنها ينبوع
الطمأنينة.
يعد عرض المعلومات والمهارات للطلاب
دوراً أساسيّاً مطلوباً من المعلم. ومن الأدوار الأساسية له أيضاً، الحكمة في
إدارة الصف؛ وهي تتضمن التفاهم والتعاطف مع طلابه، وتوجيههم وإرشادهم فرديّاً
وجماعيّاً، والاهتمام بالقيم الروحية والأخلاقية لهم، ومراعاة حاجاتهم العلمية
والاجتماعية، والقدرة على المحافظة على النظام في الصف، ومواجهة المواقف المعقدة،
وتنمية روح الانضباط الذاتي لدى طلابه، واحترام أنظمة المؤسسة التعليمية من خلال
الاقتداء بمعلمهم، في حسن أدائه لرسالته .
إذا قدَّر المعلّم مشاعر طلابه،
واستجاب لمناقشاتهم ومطالبهم، فإنهم سيكوِّنون آراء إيجابية نحوه، ويتمثلون سلوكه
أحياناً. وإذا أعلن المعلّم سياسته وعرف ردود فعل طلابه نحوها، استجاب لأسئلتهم
وتعليقاتهم دون غضب، فإن ذلك يجعل طلابه يعرفون ما يتوقعه المعلّم منهم، ويشعرون
بالمسؤولية تجاه ما يطلبه منهم. وإذا أعطاهم اهتماماً كافياً، يحسون بأنه متجاوب
معهم، فينشطون لعمل ما يطلبه منهم.
المعلم الكفء هو الذي يعمل على جذب
انتباه طلابه لمجريات درسه، فيستخدم الوسائل المعينة التي تحضّهم على المشاركة في
النشاط الصفي: فيطلب من بعض الطلاب القيام بنشاط، أو الإجابة عن سؤال. وعلى المعلم
إلقاء السؤال قبل تحديد الطالب الذي يجيب، كما عليه أن يغير في أساليب استخدامه
للوسائل، كالطلب من بعض الطلاب القيام بنشاط شفوي، وآخرين بنشاط كتابي على
السبورة، وآخرين بنشاط تنافسي، أو تعاوني...إلخ.
لخلق
نوع من الإلفة والحيوية في الصف، وزّع أسئلتك على الطلاب توزيعاً عادلاً،
وابتساماتك وكلماتك. وأبدِ احترامك لآرائهم، وكن متسامحاً. ومن المفيد أن يعطى
الطلاب قدراً كبيراً من التواصل والمشاركة؛ إذ في ذلك تقوية للروابط الشخصية،
تجعلهم يشعرون بقدر طيّب من الحرية المنضبطة والتشجيع والتغذية الراجعة.
يراعي المعلم
الكفء عند توجيه الأسئلة لطلابه مجموعة من الأسس، أهمها:
▪ أن يوجه السؤال لجميع الطلاب، ثم يختار من يجيب بعد فترة قصيرة،
حتى يفكر الجميع في الإجابة.
▪ أن يخصص بعض الأسئلة السهلة للضعفاء من الطلاب.
▪ ألاّ يهمل من لا يرفع يده للإجابة، فقد يكون منصرفاً عن الدرس، أو
يعرف الجواب، إلا أنه خجول...إلخ.
▪ ألاّ يقاطع الطالب أثناء الإجابة، وأن يعطيه الفرصة كاملة ليعبر
عن نفسه، إلا إذا أسهب فيوقفه بأسلوب ودي.
▪ إذا أخطأ الطالب في الجواب، يعطي طالباً آخر فرصة الإجابة، وإذا
لم يوفق، يذكر المعلم الإجابة ويناقشها مع الطلاب؛ ليطمئن إلى أن الجميع، قد
أدركوا الصواب.
إذا سأل أحد
الطلاب سؤالاً لا علاقة له بمادة الدرس، فيمكن للمعلم معالجة ذلك بواحد مما يلي:
▪ أن يجيب بسرعة، ثم يعود إلى موضوع الدرس.
▪ أن يرجئ الإجابة إلى آخر الدرس، ويطلب من السائل أن يذكِّره
بالسؤال.
▪ إذا كان الطلاب يكثرون من طرح هذه الأسئلة؛ لتعطيل الدرس، الفت
انتباههم بلباقة إلى أن يسألوا أسئلة مثمرة؛ حتى لا يضيع وقت الدرس.
إن المعلّم الجيد هو أفضل من يعرف ما
إذا كان درسه -الذي انتهى منه للتو- ناجحاً أم لا. وأفضل ما ينير الطريق للمعلم
الناجح في هذا الصدد ما نسميه الملاحظات العامة على الدرس الذي انتهى ، حيث يسأل
المعلّم نفسه الأسئلة التالية:
1
–هل حقق الدرس أهدافه؟
2
– هل تجاوب الطلاب مع الدرس؟
3
– هل تحتاج بعض الأجزاء إلى مراجعة؟
4
– هل المادة مناسبة للتلاميذ؟
5
– هل أنا راضٍ عن أدائي عموماً؟
المعلم
الناجح يولي تحضير الدرس عناية خاصة، لأن ذلك يساعد على اكتساب ثقة طلابه
واحترامهم له، ويمنح المعلم الثقة بنفسه، ويحميه من النسيان، ويجنبه التكرار. كما
يقلل التحضير من مقدار المحاولة والخطأ في التعليم، ويحمله على الارتباط بالمقرر،
ويمكنَه من نقده، ومعرفة ما فيه من عيوب.
كل معلم له
خصائص وصفات تميزه عن بقية المعلمين. إلا أن هناك قدراً من الخصائص والصفات
المشتركة تجمع بين المعلمين المؤثرين، وتكون ذات أثر فيما يحمله طلابهم عنهم من
تصورات وأفكار. ومن هذه الصفات: البشاشة والحيوية والحماسة والعدل والأمانة
والفطنة والقدرة والكفاية في العمل والإنجاز. وهذا النوع من المعلمين يكون – عادة
- متمكنا من مادته التي يدرسها، قادرا على مواجهة المواقف الطارئة واتخاذ القرار
المناسب في الوقت المناسب، وعاملا على تطوير أدائه باستمرار.
المعلم الكفء يولي الواجبات
المنزلية العناية الخاصة بها، ويتوخّى التوسّط في أمرها؛ فلا يهملها ولا يغرقهم
فيها. ويراعي ظروف كل طالب من الجوانب المعيشية والصحية والعقلية. كما يتأكد من أن
الطالب قد قام بعمله بنفسه، ويقوم بتصحيح الواجبات أولاً بأول حتى لا يعوِّد
الطلاب الإهمال.
المعلم الناجح يلجأ _في أغلب الأحيان_
إلى أسلوب التلميح، بدلاً عن التصريح، وهو إجراء فاعل يستخدمه المعلم؛ ليقطع
الطريق على السلوك غير المرغوب فيه، باستخدام أسلوب التلميح دون اللجوء إلى
استخدام التعبيرات اللفظية. فإذا علت الضجة مثلاً في الصف، يمكنه أن يوقفها بنظرة
خاصة إلى الطلاب مصدر الضجة، يفهمون مغزاها ومعناها، دون أن يبوح بأي كلمة.
بين
علم اللغة وتعليم اللغة ، وبين عالم اللغة ومدرِّس اللغة
أصبح
واضحاً لدى الكثيرين - الآن - أن علم اللغة شيء ، وأن تعليم اللغة شيء آخر ، رغم
ما بينهما من صلات وثيقة . وقد أدرك كثير من اللغويين أن مهمتهم الأساسية ،
هي الوصف العلمي للظاهرة اللغوية ، وتحليل بنيتها . أما تعليم اللغة فمجال آخر،
يخرج عن دائرة اختصاصهم. ( إن جل ما يستطيع اللغويون ، بصفتهم لغويين تقديمه لنا
من مساعدة ، ينحصر في وصف اللغة ، ومقارنتها فقط . قلما يكون اللغويون مدربين ،
خارج نطاق علم اللغة ، الأمر الذي يجعل اللغوي في حديثه عن تدريس اللغة ، أو
تعلمها ، لا يعكس أية خبرة ، بل ربما قال ، أو كتب أشد الأمور سخفا ، وأقلها
واقعية ، وهذا ما حدث بالفعل في الماضي ، وسوف يتكرر حدوثه ، ما دمنا نحيط
اللغويين بهالة من الحكمة الشاملة ) .
ذلك
هو علم اللغة تعريفا وموضوعا ومجالا ، فإذا انتقلنا إلى موضوع تعليم اللغة
ومجالاته ، فيجب القول بأن موضوع تعليم اللغة ينحصر في محاولة الوصول إلى أفضل
المناهج والطرائق ، وأحسن الأساليب التي يتم بها تعليم اللغة ، وبهذا فهو يتناول
الكيفية التي يتعلم بها الإنسان اللغة ، سواء أكانت لغة أُمّا أم أجنبية. ( تدريس
اللغة جهد منظم ، يقوم به المدرس ؛لإحداث تعلم اللغة لدى تلميذ ، أو أكثر من
الناطقين بلغات أخرى غير اللغة هدف التعلم . . . فإن تدريس اللغة يمكن أن يكون كما
نريد له نحن، أن يكون على أسس وقواعد نختارها نحن، لمناسبتها لموضوعنا ومقاصدنا).
يتضح
لنا مما سبق أن دراسة اللغة غير تعليم اللغة ، كما أن عالِم اللغة يختلف عن مدرس
اللغة. وإذا كان عالِم اللغة يستطيع أن يقوم بعمله ، وهو مستقل تماماً عما يحدث في
مجال تعليم اللغة ، فإن مثل هذه الاسـتقلال ، لا سبيل إليه بالنسبة لمدرس اللغة .
ومن جهة أخرى ، فعالم اللغة له مجاله الخاص ، ويتم إعداده وفق خطة معينة . ومدرس
اللغة هو الآخر له مجاله الخاص ، ويتم إعداده وفق خطة معينة ، تختلف عن الخطة
السابقة . وليس مطلوبا من مدرس اللغة ، أن يكون عالما في اللغة متعمقا في نظرياتها
، وإن حدث هذا ، فقد يضر أكثر مما ينفع . إن المطلوب من مدرس اللغة أن يلم
بأساسيات علم اللغة الحديث ، مع التركيز على الجوانب ذات الطبيعة الوظيفية منه .
ولا يفهم من كلامنا هذا ، أن عالم اللغة مُحرّم عليه القيام بتعليم اللغة ، وإنما
له ذلك ، إذا توفرت لديه الموهبة ، وتلقى تدريبا ملائما في مجال تعليم اللغة. (وكل
هذا يعني أن عالم اللغة -تاريخيا– كان ، أو وصفيا ، أو جغرافيا – ليس بطبيعته ذا
موهبة لتعليم اللغات المتكلمة ؛ وإن كان يوجد بينهم من يحمل هذه الموهبة . إن معلم
اللغة ، ليس في حاجة إلى أن يكون عالم لغة ، بأي معنى من المعاني الثلاثة ، وعالم
اللغة ليس في حاجة كذلك ، إلى أن يكون معلم لغة ) .
إن
مجال تعليم اللغة شديد الصلة بمجال الدراسة اللغوية ، وذلك لأن اللغة هي الموضوع
الذي سنقوم بتعليمه . وهذا يعني ضرورة معرفة مدرس اللغة باللغة : حقيقتها وطبيعتها
. وتلك المعرفة ، إنما تتحقق عن طريق علم اللغة ، الذي لا يمكن معرفة اللغة معرفة
علمية دون الاستعانة به . ( تقتضي عملية تعليم اللغة ، إلماما أوليا بقضايا اللغة
، وذلك لأن من يرغب في أن يعلم اللغة ، لا يكون بمقدوره القيام بعمله على نحو فعال
، ما لم تكن له الخبرة الكافية باللغة وبطرق تحليلها . من هذه الزاوية ، بإمكاننا
التكلم عن العلاقة بين الألسنية ، أو علم اللغة الحديث ، وبين عملية تعليم اللغة .
وهذه العلاقة تبدو واضحة وطبيعية بالنسبة لأستاذ اللغة ، المطلع على مجالات
الألسنية المتنوعة . وبطبيعة الحال، لا يدرك أستاذ اللغة، الذي لم يطلع بعد على
هذه المجالات أهمية هذه العلاقة ) .
لا
يستطيع مدرس اللغة أداء عمله بشكل صحيح ، إذا لم تكن لديه دراية علمية باللغة ،
وإلا كان عليه أن يعلم شيئا يجهله . ومن ناحية أخرى ، يجب على مدرس اللغة الاطلاع
على الجهود التي يقوم بها علماء اللغة ، والانتفاع بها في مجال عمله ، وإلا اتسم
عمله بالقصور والنقص . وهذا الجانب اللغوي أحد الجوانب الرئيسة في إعداد مدرس
اللغة وتأهـيله . ( ولكن معلم اللغة ، لا بد أن يكون مؤهلا ، لتلقي إرشادات عالم
اللغة ، وراغبا في تطبيقها على تدريس اللـغة . ومهما كانت الـمعلومات ، التي
يقدمها لـه عالم اللغة ، فهي مفيدة في وظيفته .
ومما
لا شك فيه أن معرفة مدرس اللغة باللغة ، تشكِّل الطرائق والأساليب التي يستخدمها
في تعليمها . فالذي ينـظر إلى اللغة نظرة تقليدية ، يخضع طريقته في تعليم اللغة
إلى تصورات تلك النظرة التقليدية ، وهكذا … ( وتجدر الإشارة هنا ، إلى أن فهمك
لعناصر اللغة ، سيتحكم بدرجة كبيرة في الطريقة التي تعلّمها بها . فإذا كنت – على
سبيل المثال– تعتقد أن الاتصال الشفوي ، يمثل مفتاحا للنجاح في تعلم اللغة الثانية
، فسوف تركز الاهتمام على الأنظمة الشفوية . وإذا كنت ترى أن اللغة ظاهرة في
الإمكان تحليلها إلى آلاف من الأجزاء الصغيرة ، وأن هذه الأجزاء يمكن تعليمها على
حدة ، فسوف تركز الاهتمـام على هذه الأجـزاء ، وتقدمها بـطريقة منـفصلة . . . )
ليست اللغة العربية زينة للعربيّين فحسب, بل العربية زينة ألسنة الإنسان ....
BalasHapus